الثلاثاء، 9 أبريل 2019

كيف تدير مشاعرك القوية؟

تُعَد بعض المشاعر القوية ممتعة لكن بعضها قد يُفقدنا توازننا. كما أن الانغمار في العواطف قد يؤدي إلى ردات فعل غير صحيّة وإلى سوء الفهم مما قد يُعرّض الشخص للمشاكل في العمل والمنزل والأوساط الاجتماعية.

كيف تُوقِعنا العواطف في المشاكل؟
التعابير المستخدمة من قِبَل "لقد أعمتهُ عواطفه" أو "كنتُ غاضبًا لدرجة أن الدخان يخرج من أُذنيّ" تعد استعارات مُناسبة لوصف الكيفية التي تعرقلنا بها المشاعر القويّة. بمجرّد استثارة المشاعر القوية فإنها تستحوذ علينا فلا يمكننا تصديق أي معلومة لا تتناسب ولا تؤكد أو تُبرر ما نشعر به في تلك اللحظة. في هذه الحالة الذهنية، لا نرى إلا ما يؤكد مشاعرنا، فينحرف التفكير ويختلّ الإدراك كما تتشوّش ذكرى العواطف المُثيرة.
عادة ما يثير الغضب والخوف مشاعر قوية. بالنظر إلى الغضب، عندما يزورني مراجعون للعلاج الزوجي، سيأتيان للجَلسة وكل منهما يشرح الخِلاف من وجهة نظر مختلفة، ما قد يبدأ كنِقاش هادئ حول وِجهة السفر يتزايد حِدّة حتى يصل إلى شِجار وكلما زاد غضبهما كلما استحال الحديث العقلاني بينهما. عندما نُبقي عواطفنا طليقة أثناء النزاع، سوف نصل لنقطة معيّنة، فارِقة، يُستثار فيها جهازنا العصبي بشدّة ويعمل إنذارنا الداخلي. فيزداد معدّل ضربات القلب وتدفّق الدم للأعضاء الداخلية، كما يزداد إفراز الأدرنالين مما يجعلنا غير قادرين على التواصل بعقلانية وفعالية. هذه الاِستجابة من الكر أو الفرّ أو التجميد*، عادة ما تُسمّى بالتفييض، بمجرد تسارع عواطفنا، فإننا لا نعود قادرين على رؤية الصورة الكبيرة ولا على تلقي معلومات جديدة.

كيف تُستثار المشاعر وبالأخص الغضب؟
في المثال الذي ذكرته، يريد الزوجان علاقة جيدة ولكن النقاش الهادئ يزداد حِدّةً بسرعة. عادة ما يكون ذلك بسبب سوء فهم العلامات، ما يعتبره أحد الزوجين كلامًا بريئًا وغير مؤذٍ هو ما يُسبب المشاعر الحادة عند الآخر. نحنُ نسيء فهم التلميحات لعدة أسباب ولكن أهم سبب هو استعادة السيناريو المحفوظ في الذاكرة -بطريقة لا واعية-، السيناريو المُستورد أو المحفوظ هو نمط عميق اكتسبناه منذ الطفولة، على سبيل المثال: عندما لا يُؤخذ برأينا أو عند شعورنا بأن آرائنا وحاجاتنا غير مهمين. فعندما يتم تجاهل اقتراحنا لوجهة السفر من قِبل شريكنا نشعر بأنه لا أحد يأخذ برأينا، مما يؤدي لرَدّة الفعل التلقائية بالغضب، فنتوقف عن الاستماع ونتفاعل بالطريقة المتناسبة مع صورة غضبنا المُعتاد.
عندما يُستَثار أحد الشريكين بهذه الطريقة، يُستثار الآخر أيضًا، فتراكم العواطف يكون متبادلًا. ردة الفعل العاطفية القوية تتسبب في ردة فعل معينة لدى الشريك الآخر حتى وإن لم تكن ظاهرة. وكلًا من ردات الفعل هذه يلعب دورًا في هذا الخِلاف. رد الفعل الطبيعي هو الصراخ أو الزعيق (استجابة الكرّ) أو الخروج من الغرفة، الانسحاب أو تناول المشروب (استجابة الفرّ)، أو رفض الاستمرار في الحديث وتكوين حالة من الجمود (التجميد).

إذن، كيف يُمكنك تغيير ردات الفعل غير النافعة هذه؟
الهدف هو أن تتعلم كيفية ضبط مشاعرك، مع ملاحظة أن ضبط المشاعر ليس مثل التحكم بها. التحكم بالمشاعر يعني كبتها وهو غير صحّي جسديًا ونفسيًا أما الضبط فيكون عبر إدراك المشاعر، مما يعطيك القوة للتقليل من حدّتها.
تكمن الصعوبة في إدراك المشاعر في ذات اللحظة وتحمل مسؤولية ردات أفعالنا. لحُسن الحظ، فإن الطُرق الفعّالة لضبط العواطف موجودة. فلنُلقي نظرة على بعضها:
- مارِس التهديء الذاتي
بمجرد أن تُدرِك أنك مغمور بمشاعرٍ ما (أو أنك تتجه لهذا الإتجاه)، توقّف واستجمع نفسك. بالتركيز على تبطيء التنفس ومعدل دقات القلب واستشعار الدفء والتخلص من أي توتر عضلي يمكنك أن تُغيّر الطريقة التي تُعايِش بها المشاعر القويّة وتعبر عنها، مما يسمح لك بالتعامل مع المسألة بطريقة أكثر رحمة وإنتاجية. لقد لمستُ تأثيرات عميقة من هذه الخطوة لوحدها.
- انتبه للعلامات:
أول خطوة للتبطيء الكافي لمعالجة المعلومات بشكل أفضل هي أن تكون مدركًا للإشارات الخفيّة في بعض الأوقات، مثل: بداية التوتر الذي يشير بدورِه إلى الإفراط في الاستثارة وتصاعد المشاعر. اكتساب فهم أكثر وضوحًا لكيفية عمل المشاعر القوية قد يساعدك في تحديد تجربتك أثناء حدوثها.
-أعِد النظر بعدسة مختلفة:
عبر التفكير في الموقف وتغيير تأويلنا له، بإمكاننا الاستجابة بمرونة أكثر وذلك بتكثيف تركيزنا على ردود أفعالنا بدلًا من إلقاء اللوم على الآخر، أو الاكتفاء بردة فعلنا المُعتادة، سنكتسب فهم أعمق لما يُثيرنا مما يجعلنا نعبر عن مشاعرنا بقوّة.
طرق أُخرى مُساعِدة:
- اكتساب رؤية أعمق للذكريات والسينوريوهات المحفوظة في ذاكرتنا
- تغيير علاقتك بالعواطف والأفكار
- تطوير القدرة على تحمّل المشاعر المزعجة
- إرجاع العقل والجسد إلى الحالة المُستقرة من خلال التنفس العميق وتعلم كيفية خفض معدل ضربات القلب
- زيادة الفهم للعلاقة بين العقل والجسد
- الانتقال من ردة الفعل التلقائية إلى الاستجابة المقصودة
لا يجب أن تعيقك المشاعر ولا أن تعرقل مسار علاقاتك، حتى القوية منها. مع الممارسة، بإمكانك معايشتها بشكلٍ مختلف.

* Fight-flight-freeze response

رابط المقال الأصلي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

٩ أنواع من التوتر العضلي ناتِجة عن المشاعر المكبوتة ـ الجزء الثالث

كيف تتخلّص من المشاعر المكبوتة؟ * عليك أن تعيش مشاعرك وتعبّر عنها، فهذه أسهل طريقة للتخلص من التوتر العضلي. ولأنه ليس بالإمكان دائمًا التعب...